الاعتراف بالحياة

صعوبة الحياة ومأساتها أكبر بكثير مما نشعر به أو الأصح يمكن القول إننا نعرف عذاباتها الحقيقة لكن نحن نهرب من هذا الاعتراف.
أسألُ نفسي دائماً ما الذي يجبر إنسانٌ على الزواج رغم أنه لم يستطع طوال حياته العزوبية أن يؤسس حياة محترمة لنفسه؟!!
أسأل أيضا ما الذي يدفع شخص من هذه الشخوص البشرية أن يمتهن عملًا لا ينسجم مع أفكاره ومتطلباته ورغباته ورغبته ولا حتى مع جهازه العصبي.

 
أليس كل هذا هي الحياة الصعبة التي هي أصعب مما ممكن أن نعترف به؟
لماذا الواحدُ منّا يضطَّرُ أن يجامل وينافق و"يتلوك" لهذا ويخضع لذاك ويحني رأسه ويتقبل التوبيخ من هؤلاء لسبب لا يستحق الذكر على الإطلاق.
أليست هي تلك الحياة المُرّة التي ما زلنا لا نعترف بحقيقة صعوبتها كما هي؟
لماذا فُرِضَ على الكاتب أن يكون هو الضحية وعليه أن يعترف أن الكتابة في كل العصور غير قادرة على الانتصار من دون هؤلاء الأقوياء.
الأقوياء أعني هؤلاء المرموقين في مجتمعاتهم أو الذين فرضتهم الإرادة بقوة مال أو جاه أو منصب دولة أو تجارة وفيرة أن يكتبوا هم التاريخ هذه القوة التي منحتهم صلاحية أن يقرروا من هو السعيد من البشر ومن هو الشقي التعيس ومن هو المحترم المختار ومن هو لا قيمة له.
نحن لم نفشل في كتابة التاريخ الحقيقي لكن لم يسمحوا لنا هؤلاء الأقوياء الذين فصّلوا الحياة على مقاسهم أن نعترف رسمياً بتاريخ رسمي حقيقي.
هم يسمحون لنا أن نعيش معهم على هذه الأرض بشريطة أن نعيشها على صعوبتها.


هم يعترفون بإنسانيتنا من فصيلة البشر لكن بنفس الوقت يضعون أمامنا خطوطاً حمراء أو يلمحون لنا بأننا مخلوقات من الدرجة الثانية.
كما أجبروا كتّاب التاريخ أن يدونوا أن الشاعر المتنبي هو من أعظم شعراء عصره لكن سربوا لهم وثائق مفادها أنه ابن سقّاء ماء ولا نسب له.
لكن مع الشاعر أبي فراس الحمداني كُتب سيناريو كما أرادوه هم رغم شاعرية المتنبي التي تغلب بها عليه إلا أنه الباسل المغوار الذي يهزم جيشاً كاملاً لمفرده.


هكذا هو التاريخ على عصوره وقرونه وسنينه يتعامل مع هؤلاء الذين يحاولون أن يصنعوا حياة واحدة وسعادة واحدة وطبقة اجتماعية واحدة وطموحًا واحدًا.
فنحن لسنا مزورين ولا منافقين ولا كذابين بل لم يُسمح لنا الاعتراف بأن الحياة أصعب مما هي.

447 عدد القراءات‌‌